أخبار هامة
  www.eldjanoubelkabir.com    www.eldjanoubelkabir.com    www.eldjanoubelkabir.com    www.eldjanoubelkabir.com    www.eldjanoubelkabir.com    www.eldjanoubelkabir.com     www.eldjanoubelkabir.com     www.eldjanoubelkabir.com    www.eldjanoubelkabir.com  

الدموع اللامعة...

الخميس 26 نوفمبر 2020
آخر تحديث : الخميس 26 نوفمبر 2020 موقع الجنوب الكبير  

بقلم : سمير فضل

   أعظم تعبير في الشعر العربي هو هذا "إن نفسي طارت شعاعا"، ويعني أنها تحولت من مادة إلى طاقة، إنه تعبير يشبه الفستان اللغوي، يضغط على المعنى فيستره أو يكشف مفاتنه، وهو دليل على أن الفكر الإنساني لا تحده الحدود ولا تكبله حتمية التاريخ ولا ضرورات الجغرافيا، فالعقل هو العقل والفكر هو الفكر و"الديك الفصيح في البيضة يصيح".

   إنه اقتحام للمجهول، جري وراء شيء جديد، خطر وانتصار واستطلاع ومتعة، والذين لا يخاطرون يظلون سائرين في طريق قديم، يكررون غيرهم، و بمرور الوقت يموتون في هدوء دون أن يشعر بهم أحد.

   إنهم لا يطيرون شعاعا بل يركنون إلى السلامة والراحة والمرعى الخصيب، فلا يتقدمون خطوة واحدة إلى الأمام.

  هذا الفصيل الآدمي لا يعدو المياه الآسنة الراكدة، ولا وزن له في سوق البشر إلا أنه عملة ورقية زائفة وأكوام من الأشياء التي لا وزن لها، ووحده الشعاع يشذ عن القطيع، فهو الكيلوغرام الحديد، غرام الذهب وقيراط الماس.

  إنه مصباح علاء الدين، بساط الريح، عصا موسى وخاتم سليمان، يمشي في طريق المجد وحيدا و بينه وبين هؤلاء الهالكين غرف ومقاعد من اللامبالاة....غرف باردة ومقاعد يغمرها الصقيع.

  الشعاع يتأبط عزلته أنى رحل، فهي أنيسته ورفيقته أبد الدهر، فهي الذخر أيام الإقامة والزاد والمتاع والراحلة أيام الظَّعن....إن الشعاع لؤلؤ أنتجته مقاومة الألم لا ترف العافية. وهنا انتصب السؤال أمامي يهددني: ماذا تعرف أنت عن اللؤلؤ ؟!....لم يحرجني السؤال ولا هزني، فحيوان اللؤلؤ يعيش بعيدا في الأعماق داخل قوقعة، ولا يفتحها إلا عند موعد الغداء، وساعتها يتسرب الرمل إلى الداخل ويلتصق بلحمه الناعم فيؤذيه ويلهبه أوجاعا، فيبدأ في إفراز مادة بيضاء عازلة يلفها حول ذرة الرمل ليعزلها عن جسمه الرخو، ويستمر الأمر كذلك أياما وشهورا وسنوات إلى أن تتحول الذرة إلى لؤلؤة، أفليس الرمل المؤذي هو اللؤلؤ جنينا ونطفة وعلقة ثم مضغة، وفوق كل هذا دموع لامعة لحيوان انطوى، انزوى وبكى فذرفت عيناه فنا ودمعا لامعا، وما حبات المحار داخل القواقع إلا فكر جديد ووسيلة بشرية لتقصير فترات البكاء و الألم على هذا الفنان الباكي أبد الدهر، وقد كانت الفكرة للياباني ميكوموتو، الذي طارت نفسه شعاعا رأفة بهذا المسكين فأبدع لنا اللؤلؤ الصناعي أو اللؤلؤ المزروع، مع أن النتيجة واحدة : دموع لامعة تنجب اللؤلؤ المكنون.

  إنه يفضحنا جميعا، ينصب لنا أعواد المشانق، ويجعلنا نسقط في أول امتحان أمام أنفسنا.

  إن الفضيحة بلغة المدارس تعني صفرا على عشرة، وفي قاموس البوليس تعني سابقة قضائية، وفي عالم الأخلاق تكون مرادفة للعار، وهي النموذج السيء في فقه التربية، أما في دنيا الفلسفة فلا تعني إلا أن تكون أنت لا ما يقرره الآخرون، وبالمختصر المفيد أن تكون طوق النجاة لكل الحائرين عبر العصور.

  الشعاع، يلف نفسه برداء دموعه اللامعة و يخرج للدنيا عاري الصدر وحيدا ينافح عن الحق والخير والجمال دون أن ينتظر من إيديولوجي أبله أن يحرر له فرمانا يضعه مندوبا عن المجتمع وصناعة من صنائع الجماهير.

 
 
التعليقات  

لا توجد تعليقات على هذا الموضوع


ما رأيكم في مواضيع جريدة الجنوب الكبير؟