الفنان المختص في إنجاز المجسمات الكبيرة "السعيد معزوز "
حاوره: عبدالرحمان محامدية.
إذا شاءت الصدف و زرت ولايات مثل بسكرة والأغواط و ورقلة و بعض بلديات وادي سوف و شدت انتباهك تلك التحف الفنية الرائعة المجسدة في شكل مجسمات كبيرة و هي تزين مداخل و وسط تلك المدن و أردت أن تعرف صاحب الأنامل السحرية التي أبدعتها فلا تسأل كثيرا ، فالفنان الحرفي السعيد معزوز ابن مدينة الدوسن بولاية بسكرة هو مبدع تلك المجسمات و هو من أسهم في توسيع دائرة انتشارها لتصبح مع مرور الوقت أشبه بالضرورة الحتمية التي يحرص مسؤولو المدن و البلديات على تجسيدها لما تحمله من دلالات لها علاقة بالعادات و التقاليد التي تخصّ كل منطقة و بالتالي وجوب الحفاظ عليها بكلّ الطرق بما في ذلك المجسمات الفنية . و لمعرفة المزيد عن هذا الفن أو هذه الحرفة و صاحبها كان لزاما على أسبوعية الجنوب الكبير زيارة السعيد معزوز في منزله بمدينة الدوسن أين خصنا بهذه الدردشة الخفيفة ...
ـ متى و كيف بدأتم انجاز هذه المجسمات ؟
لعلمكم أنا فنان حرفي منذ الصغر وهذه الموهبة و الهواية سعيت إلى تطويرها مع مرور السنين لأتخصص فيما بعد في انجاز المجسمات . و هذا الأمر بدأ كفكرة تطوعية ثم تجسدت على أرض الواقع لتحقق النجاح الذي لم أكن أتوقعه صراحة بهذه الصورة الرائعة محليا و وطنيا . و البداية فعلا كانت في سنة 2011 حيث كان أول عمل تم انجازه خريطة عملاقة و بندقيتين كبيرتين بروضة الشهداء بالدوسن ثم لوحات إشهارية عملاقة لبعض المؤسسات التربوية بذات المدينة و ذلك بطلب من السلطات المحلية آنذاك ، و لأن هذا العمل فاق التوقعات من حيث الروعة و إعجاب الكثيرين فإنّ هذا العمل الفني توسع بتشجيع من البلدية ليشمل انجاز عدد من المجسمات عبر مراحل متتالية ،ففي سنة 2012 و بمساعدة شابين أحدهما رسام و الثاني نحّات تم انجاز شبه جدارية تجسد حقبا تاريخية متتالية عاشتها منطقة الدوسن ثم تلتها مجسمات أخرى تضمنت مجسما لجبل و معركة ثورية و كان ذلك تزامنا مع إحياء إحدى المناسبات الوطنية ، ليتوسع الإبداع إلى انجاز مدفع كبير و مطحنة عملاقة و مهراس حديدي و ما يعرف بالكانكي ثم حليّ قبائلية فائقة الروعة و مجسم عملاق لكأس العالم و كان هدية للفريق الوطني حينها بعد تأهله إلى المونديال 2014 .
ـ ما هي المواد المستعملة في هكذا مجسمات ؟
الأعمال التي أنجزناها في بداية المشوار كانت تتم في ورشة صغيرة و متواضعة بمنزلي و المواد التي بدأت في استعمالها لم تتعد مواد بسيطة مسترجعة من الحديد و بقايا الخشب و مادتي الاسمنت و الجبس و مع مرور السنوات تطورت هذه المواد و تطورت معها الوسائل أيضا حيث أصبحت أستعين بالتكنولوجيا متى تطلب الأمر ذلك و بالأجهزة الحديثة المساعدة على انجاز المجسمات .و هذا التحديث في طرق الانجاز ساعدني على تطوير عملي ليصبح محترفا و ذا مستوى فني مميز .
ـ كيف ذاع صيتكم في هذا المجال ؟
كما تعرفون فإن البداية كانت محلية أي على مستوى بلدية الدوسن ثم بعض بلديات ولاية بسكرة بما فيها عاصمة الولاية و بعد أن نالت أعمالي إعجاب و تقدير كل من رآها و بعد تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي و عبر بعض التقارير الصحفية المكتوبة و المصورة أصبح عملي معروفا و مطلوبا خارج تراب الولاية و هذا الأمر زادني فخرا و مسؤولية أيضا لأنني كفنان حرفي مهمتي فنية معنوية و ليست مادية و بما أنني تخصصت في انجاز المجسمات التي تعكس تراث و عادات و تقاليد المناطق فهذا جعلني أمام مسؤولية مضاعفة حتى لا أزيف الحقائق و أعطي لكل مجسم حقه و زيادة ليكون تعبيرا حقيقيا لتلك المنطقة و للشيء الذي أريد تجسيمه .
ـ لو حدثتنا عن مراحل انجاز المجسم و كم يستغرق من وقت بالنسبة لكم ؟
كل مجسم أريد انجازه لابد أن يمر بعدة مراحل ، فالبداية تكون بطرح الفكرة التي قد تكون من عندي أنا أو فكرة من يريد تجسيد المجسم في مدينته و هذه المرحلة تتطلب جهدا كبيرا يتم فيها استغلال الثقافة العامة التي أملكها من خلال البحث و الدراسة حيث يجب أن أعرف جيدا تاريخ و عادات و تقاليد المنطقة التي سأنجز فيها المجسم حتى يكون مناسبا و منسجما مع تلك المنطقة و تحقق الهدف المرجو و المنشود .و في المرحلة الثانية يتم التنقل الى مكان الانجاز لمسحه مسحا كليا و شاملا لتحديد مدى قابليته لاحتضان هذا الانجاز و هذه العملية تتطلب أيضا دراسة دقيقة من كل النواحي فأي خلل سندفع ثمنه الكثير في آخر العمل .تليها بعد ذلك مرحلة الرسم أي تجسيد المجسم في شكل رسمي ورقي أو على الكمبيوتر و وفق التقنيات الحديثة أو وفق ما لدينا من موهبة فنية و عند الانتهاء من هذه المرحلة الحساسة يتم عرض الرسم على صاحب المجسم و عند الموافقة تنطلق عملية الانجاز التي قد تستغرق شهرين أو أكثر بحسب نوعية المجسم و حجمه على أن يكون هذا العمل متواصلا لساعات طويلة يوميا وفق خطة عمل دقيقة وواضحة و دون خطأ لأن أي خطأ سيكون على حساب جهد أيام و ساعات طويلة .
ـ أهم المجسمات التي أنجزتموها مؤخرا على الأقل ؟
هي أعمال كثيرة غير أن ما أذكره الآن مجسم الطائرة في طريق مطار محمد خيضر ببسكرة و مقام للشهيد مجسم إبريق كبير بالنقطة الدائرية ببلدية أم الطيور بولاية الوادي و مدفع و نافورة بمدينة الأغواط و مسجم لمدافع قديمة بورقلة و غيرها كثير .
ـ ما هي طموحاتكم المستقبلية ؟
طموحاتي كحرفي هي أن يتم إيجاد صيغة قانونية لتمكيني كحرفي من العمل بمفردي في تجسيد المجسمات الكبيرة عبر المدن ، فنحن اليوم نعمل تحت وصاية أو ضمن عمل مقاولات أشغال البناء و هذا الأمر يفقدنا حقوقنا و لا يعطينا الفرصة للاستفادة ماديا بمقدار ما نقوم به من أعمال ، فإيجاد صيغة قانونية ستسمح لنا بالاستفادة مباشرة من المشاريع و انجازها دون واسطة أي طرف .فكما تعرفون أنا بدأت هذا العمل كمتطوع فقط رفقة زميلين لي و بعدها أصبح عملي مهنة أرتزق بها و غياب القوانين التي تسمح لي بالعمل كفنان حرفي في هذا المجال قيّد إبداعي و جعلني لا أجسد كل أفكاري و كل طموحاتي و أستفيد منها فعليا . كما أنني أتطلع إلى وضع بصمتي في كل بلديات الوطن من خلال تجسيد مجسمات تعكس ثقافة و تراث و عادات تلك البلديات .فالعمل الذي أقوم به يساعد على الحفاظ على الموروث الثقافي و ينقل التراث عبر الأجيال و هذا الأمر يمكن استغلاله في مجال الثقافة و السياحة معا .
ـ صراحة، كيف يكون شعورك بعد الانتهاء من انجاز المجسم ؟
بعد كل عمل ينتابني شعور متناقض بين الراحة و القلق ، فمن جهة أفرح كثيرا بعد الانتهاء من عملي الطويل و المتعب أو حتى المرهق جدا أحيانا ، غير أن في ذات الوقت ينتابني القلق الشديد و الخوف من ردة فعل الجمهور و صاحب المجسم . فكلما كانت الملاحظات و الانطباعات ايجابية – و هذا ما كان يحدث غالبا و الحمد لله في جميع أعمالي – كنت أشعر بالارتياح ليزول بعدها تعب الأيام الطويلة التي قضيتها في انجاز هذا المجسم لأبد في انتظار مشروع آخر قد يكون قريبا و قد يطول انتظاره .
ـ و هل تأخذ برأي و نصيحة الآخرين في عملك ؟
طبعا و بكل رحابة صدر.. فبعد كل عمل أترقب كل الملاحظات و أسجلها كما أن عرض المجسم على الفيسبوك مثلا يعطيني الفرصة في كل مرة لقراءة تعليقات و انطباعات رواد الفضاء الأزرق و آخذ بنصائحهم و آرائهم دوما ، و لعل هذا هو سرّ من أسرار نجاحي .فالفنان المبدع لا يكون عمله ناجحا إلا إذا لقي الصدى الايجابي و هذا ما وجدته بعد كل أعمالي المنجزة .
ـ سيد معزوز سعيد، كلمتك الأخيرة ؟
أتمني أن أكون قد ساهمت بأعمالي الفنية في تعزيز و دعم التراث الوطني و ساهمت أيضا في وضع بصمتي كمساهم في تطوير السياحة عبر مجسماتي التي تستقطب الزوار دوما فكلما مررت على تلم المجسمات أو رأيت صورة المواطنين بجانبها أشعر بسعادة تغمري و هذا الأمر يشجعني من أجل عطاء أفضل و دائم،
و في الأخير شكرا لجريدتكم التي ستكون بهذا اللقاء قد شجعتني أكثر لمواصلة عملي في مجال انجاز المجسمات الكبرى .
لا توجد تعليقات على هذا الموضوع