أخبار هامة
صحراء سيفار حكاية تُعاش وليس أسطورة تحكى
الأربعاء 06 أكتوبر 2021
آخر تحديث : الأربعاء 06 أكتوبر 2021
موقع الجنوب الكبير
حيكت عنها الكثير من الأساطير أحاطتها بغموض شوّه جمالها،أُلّفت حولها كتب غير موثّقة المصدر نقلت مايُحكى بعيدا عن واقعها،أفلام وثائقية رائجة،ومحتوى إعلامي مغلوط يتم تداوله عبر مواقع التواصل الإجتماعي يُخوّف من زيارتها،لكن سيفار تبقى سيفار الإرث الحضاري للإنسانية جمعاء توثّقها صحراء الجزائر بين كثبانها
سيفار بين الواقع والخيال
حين يبدأ القصيد بجانت تكون سيفار لزاما قافيته،اذ تقع مدينة سيفار الأثرية على بعد 100 كلم جنوب جانت بولاية إليزي متربّعة على مساحة تبلغ 89.342 كيلومترا مربعا وهي مدينة أثرية مصنّفة من قبل اليونيسكو كأقدم إرث حضاري،فتحت شهيّة علماء الآثار لدراسة رسوماتها العجيبة وكذا استقطبت السيّاح المتمرّسين لزيارتها
رغم ذلك تتعرّض هذه الأخيرة لظلم الخرافات التي تُحاك عنها بين التّخويف والتّرهيب من قبل أُناس عاديين استقوا معلوماتهم الخرافية من مصادر غير موثوقة حتّى تحوّلت من منطقة سياحية عريقة إلى أرض الموت في عقول الكثيرين،تشترك الأفكار المروّجة عنها في كونها مدينة سحر ومثلّث الشيطان سكنتها مخلوقات فضائية ذات يوم ويحاصرها الجيش الجزائري مانعا السيّاح من دخولها
في المقابل أكّد لنا الدّليل السياحي "حميد محمّد"وهو احد السكّان القدامى لمدينة جانت أن كل ماسبق ذكره ماهو إلّا مغالطات لا اساس لها من الصّحة،مؤكدا انّ "سيفار" هي موقع أثري مفتوح كمتحف مجّاني في الهواء الطلق مرحّب بكل السّياح فيه مستدلّا بالعديد من البعثات السياحية متعدّدة للمنطقة،امّا بالنسبة للحراسة المشدّدة من قبل الجيش فهي حراسة أمنية عادية توجد بكل دول العالم من اجل حماية المعالم الأثرية من التخريب من جهة وحماية السيّاح من جهة أخرى وهذا مااكّدته لنا مسؤولة القسم العلمي بديوان الحظيرة الثّقافية للتّاسيلي بإليزي السّيدة "حاج عمر حفيظة" التي أكّدت على ضرورة تنظيم رحلات مراقبة للحفاظ على سلامة المواقع من السرقة والتخريب مبدية اسفها على مثل هذه الأفكار التي ادّت الى تشويه جمالية المدينة الصّخرية
اما بخصوص الفكرة المتداولة _كل من يدخلها لايخرج منها_ والرّائجة حتى في كبريات القنواة زوّدتنا السيّدة حفيظة بجداول المرافقة للوكالات السياحية التي لم تسجّل اي حالة وفاة او ضياع لأي سائح حتّى الآن ،امّا السّيد "المختار" أحد سكان جانت اشار الى ان خطورة المكان يكمن في تشابه تضاريسه الذي يستدعي أخذ دليل من سكّان المنطقة اضافة الى تباعد المواقع الأثرية فيما بينها لا أكثر
السيّد مصطفى إيباه مرشد سياحي منذ 25سنة ومسيّر نادي المغامرات الإفريقية نوّه الى زيادة حجم المغالطات في الآونة الأخيرة حول المنطقة جعل المجتمع المدني لجانت يخرج من صمته،كما جعل أهل الإختصاص يرفعون عريضة ضد الكتّاب الذين يتّخذون من سيفار حكاية رعب في نفوس قرّاءهم ككتاب "تعويذة سيفار" الذي اخذ من المدينة الأثرية مكمنا للشّر وربطه بالسّحر والشعوذة من وجهة نظر كاتبته،تستخدم رسوم جدران سيفار الأثرية لإتمام طقوس روحانية مشيرا الى ضرورة تصحيح هكذا افكار جعلت المدينة ذات طابع مدنّس بعد ان كانت إرثا للبشرية اجمع
أما بخصوص طبيعة سكانها القدامى الذي يزعم البعض انّهم فضائيين والبعض الآخر يزعم انهم جن، فإنّ أهل الإختصاص ولحد الآن رفضوا كل النّظريات المفسّرة لأصول سكّانها لتبقى مجرّد نظريات فلسفية لاأساس لها من الصحّة،إذ تؤكد لنا السيّدة"حفيظة"ان كل العلماء الّذين حاولو دراسة سيفار إتفقوا على شيء واحد وهو تعميرها من قبل الإنسان القديم يترجم الفن الصّخري على جدران مدينته طقوسه اليومية قبل 15000سنة لكن تاريخ الرّسومات والآثار الموجودة لحدّ لاتزال تجوبه علامات الإستفهام وهذا ما توّجها بتسمية المدينة اللّغز ولا علاقة للسّواد والجن بها
جبرين طارقي اجحفه التاريخ لتنصفه ذاكرة سيفار
يبدُو ان التّحريف لم يطل سيفار فقط بل وصل حتى إلى إكتشافها الذي نُسب في الإرث العالمي الى الباحث الفرنسي "هنري لوت"،بينما يجحف التّاريخ المكتشف الأصلي لها "جبرين"ابن المنطقة الذي عمل كدليل استكشافي عهد الإحتلال الفرنسي لمدينة جانت كونه العارف بمضارب امّه الصحراء ليصبح رسميا مرشدا لكل البعثات العلمية عهد الإستعمار
كرّم عهد الإستقلال واصبح الدليل الرسمي لجامعة الجزائر ليرجع له الفضل في رد الإعتبار للإرث الطبيعي والثقافي المنهوب للجزائر ،كما عمل في مخيّم الديوان الوطني للسياحة
تأسست حظيرة التاسيلي عام 1972 ضمت كل من هضبة تاسيلي نازجر مرورا بتامغيت نتيجة اكتشافاته المتتالية للرسوم والنقوش
ورغم ان الكتب الأثرية للبعثات الأجنبية لم تنصفه إلا ان سيفار خلّدته في الذاكرة ليقترن اسمه بإسمها على شفاه المرشدين المحلّيين الذين يحرصون على تصحيح التزويرات المتداولة عن المنطقة ومكتشفها،ولان للصحراء ذاكرة وفيّة فقد تم تسمية احد المواقع الأثرية بإسم "متحف جبرين" وبذلك يكون ذاكرة التاسيلي التي لم يتخلّ عن العمل بها كمرشد للبعثات الجزائرية وهو في سن السبعين،رغم اجحافه من قبل التاريخ فإن للصحراء ذاكرة وفية لاتنس خلّدته للأبد
سيفار المدينة السياحية السّاحرة
ليس للسحر علاقة بسحرها اذ تستمد جمالها من مناظرها التي أسرت كلّ من زارها،يلتصق بصحراء سيفار إسم "المدينة" لأنّها تبدو لزائرها مدينة كاملة متكاملة بشوارعها ومساحاتها وازقّتها الضيقة،تتشكّل بها كهوف على شكل ملاجئ منهم من قال ان الإنسان البدائي نحتها،ومنهم من ارجعها لعوامل الطبيعة من الرّياح والأمطار
هذا المنظر المبهر لها بين الكثبان الرّملية والصخور والنّقوش،هذا التمازج الأركيولوجي بين مكوّناتها الحيوية يضفي عليها ميزة تفتقدها بقية الصّحاري بالعالم،فأثناء التّنقل من مكان لآخر سترى بكل مكان جديد اشياء لاتوجد في سابقه ،هذا هو سحر التاسيلي
تستحق بجدارة تصنيفها من قبل اليونيسكو كإرث حضاري عالمي لكونها تضمّ اكبر متحف مجّاني على الهواء الطلق لرسومات ماقبل التّاريخ،تحوي 30000رسم ونقش صخري اللّافت في الموضوع استخدامهم للألوان والظلال بطريقة رائعة تصوّر مشاهد الحياة اليومية تجعل زائرها يغوص في عمق حقبات تاريخية قديمة ليعايش حضارة امّة عريقة يحكيها هذا الفن الصخري على جدران معالم سيفار
كما تستحق تصنيفها من قبل المصالح الجزائرية محمية طبيعية لكونها تحتوي على ارث طبيعي لنباتات وحيوانات على وشك الإنقراض كشجرة الصرو الصحراوي بمعدل232شجرة موزعة،بالإضافة لشجر زيتون الصحراء وحيوانات لاتزال تعتبر هذه المنطقة موطنها كالروي والغزال وبعض الأنواع من العصافير
بها شروق شمس وغروب مصنّف كأجمل المناظر الطبيعية اذ ينعكس شعاع الشمس على الرمل والصخور الموزّعة لتتخلل الكهوف التي بدورها تعكس ضلالا تقسم المدينة لقسمين اسود وابيض صانعة مشهدا طاغيا في رقّته
الجميل بها،مع انّك ستشعر انّك بمعزل عن العالم لكنّك ستكون في أحسن حالاتك مع الطّوارق والأدلّاء السياحيبن المعروفين بكرمهم ولطفهم مع الضيف يقسّمون نهاره بين زيارة المواقع والإستراحات التي يطغى عليها طبخ الأكلات التقليدية وتقديم الشّاي الصحراوي دون ان يفوتوا القيام بسهرات طارقية حول النّار يتخلّلها اغاني طارقية قديمة لاتزال جبال تاسيلي ناجر تردّد صداها
كما ان طبيعة الموقع لايحتاج لمرافق سياحية اذ ان نوع السياحة يرتكز على مخيّمات متنقلة تمنحك النوم في فندق ألف نجمة ونجمة تعدّها في سماء سيفار بالإضافة الى الأمن السائد بالمنطقة.
سيفار امانة جبرين في اعناقنا
وصلت إلينا سيفار كرسالة من الإنسان القديم سلّمها صدفة للطارقي جبرين الذي وضعها امانة في اعناقنا،فلم نكن أهلا للأمانة
تفتقد مدينة سيفار لحماية أكثر اذ تحتاج المصالح المباشرة عليها لدعم مادي من اجل التّكفل بتوفير ظروف جيّدة لرجال أمن دائمين حولها لحمايتها من الأيدي المتطفّلة،كما على الوكالات السياحية ان تعي فكرة انّ السياحة ليست بجمع اكبر عدد من السياح بل بتوفير اكثر من مرافق للوفد السّياحي للمراقبة والتنظيم على حد تعبير السيدة حفيظة
فبعد إغلاق بعض المعالم الأثرية بها في وجه السيّاح الأجانب كسياسة وقائية للمنطقة حتى يتم توثيقها محليا لحمايتها من السرقة بعد العثور على الكثير من القطع الأثرية المنهوبة في متاحف أجنبية وعدم احترام الإتفاقيات المبرمة مع الدولة الجزائرية،هاهم مسؤولو الحظيرة الثقافية للتاسيلي يشتكون من السيّاح المحلّيين الذين قاموا بتخريب بعض الأماكن عن طريق الكتابة عليها بطلاء يصعب ازالته ناهيك عن ترك بقاياهم في الأماكن السياحية
وهاهو ذا الإعلام بعيد كل البعد عن اعادة الحياة لها كواقع معاش لا كأسطورة رعب متداولة من قبل حتى كتاب جزائيين لم يوفوا الأمانة حقّها
صحراء سيفار الآمنة،صحراء سيفار السّاحرة،صحراء سيفار التّجربة تدعو الى تضافر الجهود من اجل حمايتها مادّيا وفكريا لترسيخ ثقافة سياحية تعطي المواقع الأثرية حقّها وتعيد لمدينة سيفار اعتبارها،بتصحيح الخرافات التي تجعل النّاس تنفر منها
سيفار الأعجوبة الثامنة بما تحتويه من كنز اثري تمهّد الطريق امام الإقتصاد الوطني للخروج من عباءة السلاح الأسود،وتعكس صورة صحراء الجزائر الزاخرة بمعالم قد تجعلنا نواكب العالم المتقدم سياحيا اذا اوفيناها حقّهد
داحي سمراء
ما رأيكم في مواضيع جريدة الجنوب الكبير؟
لا توجد تعليقات على هذا الموضوع